في عالم أسواق المال، يُعدّ سوق الفوركس من أكثر الأسواق حساسية تجاه المتغيرات الخارجية، خاصة تلك المرتبطة بالأوضاع والأزمات السياسية. تتسم العملات الأجنبية بأنها المرآة الاقتصادية لكل دولة، وبالتالي، أي تغير او حدث سياسي يمكن أن يؤدي إلى تقلبات حادة في الأسعار.
للذين يخطون خطواتهم الأولى في هذا السوق، فإن فهم العلاقة بين السياسة وسوق العملات الأجنبية هو مفتاح أساسي لتحقيق الربح و النجاح. هذه المقالة تقدم شرحًا مفصلًا ومبسطًا حول كيفية تأثير الاحداث السياسية على حركة العملات، وكيفية التعامل مع هذه التأثيرات.
ما هو سوق الفوركس ولماذا يُعد حساسًا للأحداث السياسية؟
ما هو سوق الفوركس؟
الفوركس (Forex) هو اختصار لـ Foreign Exchange، أي تبادل العملات الأجنبية. في هذا السوق، يتم تداول العملات كأزواج (مثل اليورو مقابل الدولار EUR/USD) ويعمل على مدار الساعة نظرًا لطبيعته العالمية والسيولة العالية الموجدة فيه.
لماذا يتأثر سوق الفوركس بالسياسة؟
تلعب الاحداث السياسية دورًا رئيسيًا في تحديد مسار الاقتصاد، وبالتالي قيمة العملة الوطنية. عندما تتخذ حكومة قرارات سياسية تؤثر على الاقتصاد، مثل فرض ضرائب جديدة، إقرار سياسات نقدية، أو حتى تغيير القيادة السياسية، فإن هذه التغيرات تؤدي الى حدوث تحركات في سعر صرف العملة.
ومن جهة أخرى، الأزمات السياسية مثل الحروب، العقوبات، أو الانقلابات تؤدي إلى تغييرات مفاجئة في تدفقات رؤوس الأموال في الأسواق العالمية، ما يؤدي إلى تقلبات شديدة في سوق العملات وحركة السلع والمؤشرات العالمية .
كيف تؤثر الأوضاع السياسية والأزمات على سوق الفوركس؟
1. الانتخابات وتأثيرها على العملات
تعد الانتخابات هي واحدة من أبرز الأحداث السياسية التي تؤثر على حركة الأسواق المالية.
التوقعات ودورها: قبل الانتخابات، يتفاعل السوق مع استطلاعات الرأي والتوقعات. إذا كانت التوقعات تشير إلى فوز حزب يدعم النمو الاقتصادي (مثل خفض الضرائب أو زيادة الإنفاق الحكومي)، قد ترتفع العملة ويحدث العكس لو كانت توقعات تشير الى فوز حزب يدعم الحفاظ على السياسة النقدية الحالية .
النتائج الفعلية: بعد إعلان النتائج، حيث يتفاعل السوق بشكل كبير بناءً على مدى توافقها او أختلافها مع التوقعات.
أمثلة عملية:
عند بدء الانتخابات في الولايات المتحدة 2016، عندما فاز دونالد ترامب، شهد الدولار تقلبات حادة بسبب الغموض حول سياساته التجارية والاقتصادية .
الانتخابات الفرنسية 2017، فوز إيمانويل ماكرون أدى إلى ارتفاع اليورو بسبب تفاؤل المستثمرين بسياسته الاقتصادية.
2. الأزمات السياسية والصراعات الدولية
حيث أن الصراعات السياسية أو العسكرية تؤدي إلى زعزعة الثقة في الاقتصاد المحلي، ما ينعكس على عملته.
الحروب والتوترات العسكرية:
عندما تدخل دولة في حرب، تتجه عملتها عادة إلى الانخفاض بسبب زيادة النفقات العسكرية وتراجع الثقة الدولية في استقرار اقتصادها وتودي الى توجه المستمثرين الى الملاذات الأمنة (كالذهب) .
التوترات الجيوسياسية:
على سبيل المثال، التوترات التي حدثت بين الولايات المتحدة والصين أدت إلى تقلبات حادة في اليوان الصيني والدولار الأمريكي.
أمثلة عملية:
الحرب الروسية الأوكرانية (2022): أثرت بشكل كبير على اليورو نتيجة للاضطرابات في سوق الطاقة الأوروبي واعتماد أوروبا الكبير على الغاز الروسي كما شهدت هذه المرحلة الى ارتفاع في أسعار الذهب أيضا .
التوترات في الشرق الأوسط: غالبًا ما تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط، مما يؤثر على عملات الدول المنتجة والمستهلكة للنفط.
3. العقوبات الاقتصادية وتأثيرها على العملات
العقوبات الاقتصادية هي أداة سياسية تؤدي إلى نتائج اقتصادية مباشرة. عندما تفرض دولة عقوبات على دولة أخرى، تعاني عملة الدولة المستهدفة بسبب القيود المفروضة على تجارتها واستثماراتها.
أمثلة:
العقوبات الأمريكية على إيران أدت إلى انخفاض كبير في قيمة الريال الإيراني.
العقوبات على روسيا عقب ضمها لشبه جزيرة القرم (2014) أثرت على الروبل الروسي بشدة، حيث أدت هذه العقوبات الى أجبار البنك المركزي الروسي على التدخل لدعم العملة.
4. الأحداث المفاجئة (Black Swan Events)
الأحداث السياسية غير المتوقعة تُعرف بـ “الأحداث السوداء”، وهي تلك التي يصعب التنبؤ بها وتحدث صدمات قوية في حركة السوق.
أمثلة:
Brexit (2016):
عندما صوّتت بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي، أدى هذا الحدث الى انخفاض الجنيه الإسترليني بنسبة 10% خلال يوم واحد فقط بسبب الصدمة التي أصابت الأسواق من نتائج الاستفتاء.
الانسحابات أو الانقلابات: أي انسحاب مفاجئ أو انقلاب سياسي يؤدي إلى تقلبات حادة، مثلما حدث مع الانقلاب في تركيا 2016 الذي أثر على الليرة التركية بشكل كبير .
كيف تتعامل مع تقلبات سوق الفوركس الناتجة عن السياسة؟
1. متابعة الأخبار بشكل مستمر
أدوات مثل موقع Bloomberg أو Reuters حيث توفر معلومات محدثة عن الأوضاع السياسية والاقتصادية. تابع أيضًا البيانات الاقتصادية الرئيسية مثل معدلات البطالة، النمو الاقتصادي، وسياسات البنوك المركزية.
2. فهم سلوك العملات المرتبطة بالملاذات الآمنة
العملات مثل الدولار الأمريكي، الين الياباني، والفرنك السويسري ترتفع قيمتها في أوقات الأزمات.
تعلم كيف يمكن أن تستفيد من هذا السلوك عبر مراقبة تحركات هذه العملات خلال فترات عدم اليقين.
3. استخدام استراتيجيات إدارة المخاطر
لا تُراهن بكامل رأس مالك على اتجاه معين في أوقات الأزمات ولأحداث السياسية .
استخدم أوامر وقف الخسارة (Stop Loss) لحماية استثماراتك من التغيرات المفاجئة.
4. تعزيز التحليل الأساسي بجانب التحليل الفني
يعتمد التحليل الأساسي على تقييم الأحداث السياسية والاقتصادية وتأثيرها على العملات.
يمكنك دمج هذا النوع من التحليل مع الرسوم البيانية لتحسين القدرات وقرارات التداول خلال هذه الأوقات .
أمثلة على استفادة المتداولين من الأزمات السياسية
الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين (2018-2020):
عندما أعلن الرئيس الأمريكي فرض رسوم جمركية على الواردات الصينية، انخفض اليوان الصيني. المستثمرون الذين فهموا هذا التأثير استفادوا من بيع اليوان وشراء الدولار, وأيضا أرتفعت أسعار الذهب بشكل كبير خلال هذه المرحلة.
أزمة منطقة اليورو (2010-2012):
خلال أزمة ديون اليونان، انخفض اليورو بشكل كبير. حيث أن المتداولون الذين توقعوا انخفاض العملة حققوا مكاسب كبيرة.
خاتمة
الاحداث و الأوضاع والقرارات السياسية تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل مسار سوق الفوركس، من الانتخابات إلى الأزمات الجيوسياسية. بالنسبة للمبتدئين، الاستثمار في التعلم عن تأثير السياسة على العملات يمكن أن يكون الخطوة الأولى نحو تحقيق النجاح.
بفهم آليات السوق، والمتابعة الدقيقة للأحداث، وتطبيق استراتيجيات تداول مرنة، يمكن للمستثمرين المبتدئين تجاوز العقبات واستغلال الفرص التي تقدمها الأسواق المتقلبة.